في عالم الفن، والاقتناء، والاستثمار، تحتل دور المزادات مكانة خاصة. فهي ليست مجرّد منصات لبيع القطع النادرة، بل حُرّاس حقيقيون للتاريخ، والحرفية، والذوق الرفيع. تجمع بين هواة الجمع، والمستثمرين، وعشّاق الفخامة، مقدّمةً قطع مجوهرات رائعة مرصعة بالألماس والزمرد والياقوت، إلى جانب حُلي قديمة تحمل في طيّاتها إرث عصور عظيمة.
تُحدِث هذه الدور اتجاهات جديدة في عالم المجوهرات، وتواصل تقاليد الاقتناء، وتشكّل سوق الأحجار الكريمة، وتحقق أرقامًا قياسية جديدة في مبيعاتها البارزة. من بين هذه الدور، نجد الأكبر والأكثر شهرة، وهي تلك التي نقشت أسماءها في صفحات التاريخ من خلال مبيعاتها الأسطورية.
Sotheby’s: ألماسات أسطورية ومجوهرات ملكية
تأسست دار Sotheby’s عام 1744 على يد رجل الأعمال البريطاني صموئيل بيكر، وبدأت كدار مزادات متخصصة في الكتب النادرة. ومع مرور الزمن، تطوّرت لتصبح واحدة من أبرز اللاعبين العالميين في مزادات الفنون الجميلة والمجوهرات. تشتهر اليوم Sotheby’s بمزاداتها المذهلة التي تعرض أحجارًا كريمة فريدة ومجوهرات من علامات أسطورية.
من أبرز القطع التي بيعت في Sotheby’s كان ألماس Blue Moon النادر للغاية، بوزن 12.03 قيراط، والذي بيع بعد سبع دقائق فقط من بدء المزايدة بسعر قياسي بلغ 48.4 مليون دولار. اشترى هذه الجوهرة جامع مقتنيات خاص من هونغ كونغ وأطلق عليها اسم Blue Moon of Josephine. وقد اقتناها الملياردير جوزيف لاو كهدية لابنته جوزفين البالغة من العمر سبع سنوات. وبفضل لونه النادر ونقاوته الاستثنائية، صُنّف هذا الألماس كأحد أندر وأجمل ما بيع في تاريخ المزادات.
وتُجسّد قطع المجوهرات مثل بروش الياقوت الأزرق بوزن 47 قيراطًا الطابع الجمالي لعصرها، وتعكس نفس معايير الندرة والرقي التي تميز كنوز Sotheby’s الأسطورية.
Christie’s: دار المزادات ذات الإرث الملكي والمجموعات الأسطورية
تأسست Christie’s عام 1766 على يد جيمس كريستي، وأصبحت مرادفًا للفخامة والتميز. بدأت مبيعاتها الأولى ببيع الكتب القديمة واللوحات، لكن بحلول القرن التاسع عشر، ترسّخت مكانتها في سوق المجوهرات. وقد لعبت دورًا محوريًا في بيع مجموعات ملكية وقطع تحمل قصصًا تاريخية فريدة.
في عام 2018، حققت Christie’s رقمًا قياسيًا ببيع ألماس Pink Legacy بوزن 18.96 قيراط مقابل 50 مليون دولار، ليصبح بذلك أغلى ألماس وردي يُباع في مزاد.
كما شهدت Christie’s في عام 2011 مزادًا تاريخيًا لمجموعة مجوهرات إليزابيث تايلور، والتي حققت إجمالي مبيعات قدره 137 مليون دولار. ومن بين أغلى القطع، قلادة La Peregrina، التي تضم لؤلؤة نادرة تعود للقرن السادس عشر، وبيعت بسعر 11.8 مليون دولار. كانت هذه اللؤلؤة الثمينة ملكًا لملكة إنجلترا ماري الأولى، ثم لإليزابيث، ونابليون الثالث، قبل أن يقدّمها ريتشارد بورتون إلى إليزابيث تايلور كهدية في يوم عيد الحب، لتبقى واحدة من أشهر الجواهر في التاريخ.
ولا تزال المجوهرات المرصعة باللؤلؤ تحتل مكانة بارزة في المزادات الكبرى، تمامًا مثل بروش Perle au Trésor، الذي يدمج الأناقة بالإرث التاريخي في تناغم بديع.
Bonhams: مجوهرات تاريخية وكنوز من الماضي
تأسست Bonhams عام 1793 على يد توماس دود، وبدأت كعمل عائلي صغير متخصص في بيع القطع الفنية. ومع مرور السنوات، تطوّرت لتصبح واحدة من أكبر دور المزادات، معروفة بمبيعاتها في مجالات الفنون الجميلة والسيارات الكلاسيكية والمجوهرات الراقية.
تتميّز Bonhams على وجه الخصوص ببيع مجوهرات من عصور مختلفة مثل طراز Art Deco والعصر الفيكتوري. وغالبًا ما تعرض قطعًا من علامات شهيرة مثل Cartier وVan Cleef & Arpels وBoucheron.
في عام 2018، بيع سوار Cartier من ثلاثينيات القرن الماضي، مرصّع بالياقوت والألماس، مقابل 1.2 مليون دولار. وفي عام 2021، بيع خاتم من الياقوت الكشميري بوزن 17.43 قيراط مقابل 1.5 مليون دولار – وهو سعر استثنائي لهذا النوع النادر من الأحجار. ويُعد الياقوت الكشميري من أكثر الأحجار قيمة، لما يتمتع به من لون أزرق غني وشفافية مذهلة.
وبنفس الدرجة من التميز، يبرز ألماس بوزن 3.01 قيراط بجودة استثنائية ونُدرة فائقة، كإضافة مثالية لهواة جمع الأحجار الكريمة ذات القيمة التاريخية.
Phillips: فن المجوهرات المعاصرة وقطع المصممين
تأسست Phillips عام 1796 على يد هاري فيليبس، الذي كان موظفًا سابقًا في Christie’s، وبدأت بتخصص في الأثاث واللوحات. ومع حلول القرن العشرين، أصبحت واحدة من أبرز دور المزادات المتخصصة في الفن المعاصر والتصميم، بما في ذلك المجوهرات الراقية.
تركّز Phillips على التصميم المعاصر وقطع المجوهرات المصممة حسب الطلب والنادرة. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت تعرض بشكل متزايد أحجارًا كريمة فريدة من توقيع صائغي مجوهرات من القرن الحادي والعشرين مثل Cindy Chao وWallace Chan. وتتميّز أعمالهم بتقنيات مبتكرة، ودقة في الترصيع، وفرادة تجعلها مطلوبة بشدة بين هواة الجمع.
هذا العام، كان خاتم ألماس بوزن 10 قيراط هو الأعلى سعرًا في مزاد المجوهرات الأخير لدى Phillips في هونغ كونغ، إذ حقق 591,330 دولار. وقد بيع هذا الخاتم المقطوع بشكل الزمرد، بلون D ودرجة نقاوة داخلية لا تشوبها شائبة، ضمن التقديرات الأولية قبل المزاد.
Heritage Auctions: مجوهرات نادرة وألماسات استثنائية
تأسست Heritage Auctions عام 1976، وتُعد أكبر دار مزادات في الولايات المتحدة. بدأت بتخصص في العملات النادرة، ثم توسّعت لتشمل الفنون الجميلة، والمجوهرات الراقية، والمقتنيات الحصرية.
تشتهر هذه الدار الأمريكية بالأحجار الكريمة النادرة، ومجوهرات المصممين، والقطع ذات الطابع التاريخي. وفي عام 2022، سجّلت Heritage Auctions رقمًا قياسيًا ببيع ألماسة فاخرة نادرة بلون برتقالي ضارب إلى الأحمر، بوزن 1.21 قيراط، مقابل 1.755 مليون دولار – أي ما يفوق التقديرات الأولية باثني عشر مرة.
تُعتبر الألماسات ذات الألوان الفاخرة المكثفة نادرة للغاية في الطبيعة، مما يمنحها قيمة عالية في سوق المجوهرات الفاخرة. وينطبق نفس المعيار من التفرّد على خاتم سبينيل Mahenge المرصّع بالألماس، والذي يتميز بلونه الزاهي وشفافيته المذهلة.
إرث دور المزادات في عالم المجوهرات
إلى جانب الدور الشهيرة التي ذُكرت أعلاه، هناك العديد من دور المزادات المتخصصة حول العالم، التي تركّز على مجوهرات نادرة، وأعمال صائغين مستقلين، وأحجار كريمة ذات فرادة استثنائية. وفي هذا السياق، لا تُمثّل المزادات منصّات للبيع فحسب، بل تشكّل عنصرًا مهمًا في حفظ الذاكرة الثقافية والتاريخية لفن المجوهرات.
